تبدأ قصة الخليقة في الكتاب المقدس في سفر التكوين، الإصحاح الأول والثاني، حيث يُعرض لنا كيف خلق الله السماوات والأرض وكل ما فيهما خلال ستة أيام، واستراح في اليوم السابع. يُظهر الكتاب المقدس أن الله خلق كل شيء بكلمته وبحكمته وبقدرته اللامحدودة، وأن الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله.
في اليوم الأول، خلق الله النور وفصل بين النور والظلمة. في اليوم الثاني، خلق السماء. في اليوم الثالث، جمع المياه وظهرت اليابسة وأنبتت الأرض نباتاً وثماراً. في اليوم الرابع، خلق الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم لتحديد الأوقات والمواسم. في اليوم الخامس، خلق الكائنات الحية في الماء والطيور في السماء. وفي اليوم السادس، خلق الحيوانات البرية والإنسان. وأخيراً، في اليوم السابع، استراح الله من كل عمله الذي عمل.
يُعلمنا الكتاب المقدس أن الخليقة تعكس مجد الله وحكمته، كما هو مذكور في مزمور 19:1 ورومية 1:20. ويُعتبر الإنسان مسؤولاً عن الخليقة ومُكلفاً برعايتها وحمايتها، كما هو موضح في تكوين 1:28.
الأيام الستة للخليقة كما وردت في سفر التكوين هي كالتالي:
اليوم الأول: خلق الله النور وفصل بين النور والظلمة (تكوين 1:3-5).
اليوم الثاني: خلق السماء وفصل بين المياه التي تحت السماء والمياه التي فوق السماء (تكوين 1:6-8).
اليوم الثالث: جمع المياه وظهرت اليابسة وأنبتت الأرض نباتاً وثماراً (تكوين 1:9-13).
اليوم الرابع: خلق الأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم (تكوين 1:14-19).
اليوم الخامس: خلق الكائنات الحية في الماء والطيور في السماء (تكوين 1:20-23).
اليوم السادس: خلق الحيوانات البرية والإنسان (تكوين 1:24-31).
وفي اليوم السابع، استراح الله من كل عمله الذي عمل، وبارك هذا اليوم وقدسه لأنه فيه استراح من كل عمله الذي خلق فعمل (تكوين 2:2-3).
يُظهر الكتاب المقدس علاقة الإنسان بالخليقة على أنها علاقة مسؤولية ورعاية. الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله (تكوين 1:26-27)، وقد أُعطي سلطاناً على الأرض وما يعيش فيها. يُكلف الإنسان بعمارة الأرض وحمايتها والسيطرة على الكائنات الحية الأخرى، وهذا يعني أن عليه أن يكون خادماً وحافظاً للخليقة، لا مُستغلاً لها بشكل يُفسدها أو يُدمرها.
كما يُعلمنا الكتاب المقدس أن الإنسان يجب أن يعكس صورة الله في الخليقة من خلال العدل والرحمة والحب، وأن يعيش في تناغم مع الطبيعة والكائنات الأخرى. هذا الدور يُعبر عنه في تكوين 2:15 حيث يُذكر أن الله أخذ الإنسان ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها.
الدور الذي خُلق الإنسان من أجله في الخليقة وفقاً للكتاب المقدس هو دور الخلافة والرعاية. الإنسان مُكلف بأن يكون خليفة الله على الأرض، يعملها ويحفظها، ويستخدم الموارد التي خلقها الله بحكمة ومسؤولية. يُشدد الكتاب المقدس على أهمية العيش بتواضع واحترام للبيئة والكائنات الأخرى التي تشارك الإنسان العيش على الأرض.
في تكوين 1:28، يُبارك الله الإنسان ويُعطيه السلطان ليملأ الأرض ويخضعها ويتسلط على الأسماك وطيور السماء وكل حيوان يدب على الأرض. ومع ذلك، هذا السلطان لا يعني الاستغلال الجائر، بل يعني العناية والمحافظة على التوازن الطبيعي الذي وضعه الله في الخليقة.
كما يُعلمنا الكتاب المقدس أن الإنسان يجب أن يعيش في علاقة صحيحة مع الله، وهذا ينعكس في علاقته بالخليقة. الإنسان مدعو ليعكس محبة الله ورعايته لكل ما خلق، وأن يكون مسؤولاً في استخدامه للموارد الطبيعية وفي تفاعله مع البيئة المحيطة به.
هناك العديد من الآيات في الكتاب المقدس التي تتحدث عن مجد الله المعكس في الخليقة. من هذه الآيات:
مزمور 19:1 - "السماوات تُخبر بمجد الله، والفلك يُظهر صُنع يديه."
رومية 1:20 - "لأن خصائصه غير المرئية، أي قدرته الأبدية ولاهوته، تُرى وتُفهم بالأشياء المصنوعة منذ خلقة العالم، حتى يكونوا بلا عذر."
مزمور 8:3-4 - "عندما أنظر إلى السماوات، عمل أصابعك، القمر والنجوم التي أسستها، ما هو الإنسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده؟"
أيوب 12:7-9 - "ولكن اسأل البهائم فيُعلمك، وطيور السماء فتُخبرك. أو تكلم الأرض فتُعلمك، ويُخبرك حيتان البحر. من لا يعرف في كل هذه أن يد الرب صنعت هذا؟"
هذه الآيات تُظهر كيف أن الخليقة بأكملها تعكس قوة وحكمة وجمال الله، وتُعلم الإنسان عن الخالق من خلال ما خُلق.
يمكن للإنسان أن يعيش في تناغم مع الخليقة وفقاً لتعاليم الكتاب المقدس من خلال عدة مبادئ أساسية:
الاعتراف بأن الله هو الخالق وأن كل الخليقة تعكس مجده وحكمته، وبالتالي يجب احترامها وعدم إساءة استخدامها.
العمل على حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية، وذلك باتباع مبدأ الوكالة الذي يُعطي الإنسان مسؤولية العناية بالأرض (تكوين 2:15).
العيش ببساطة وتجنب الإسراف والتبذير، والسعي لتحقيق العدالة في توزيع الموارد والثروات.
التأمل في الخليقة والتعلم منها، والسماح لها بأن تقود الإنسان إلى فهم أعمق لله وصفاته (رومية 1:20).
التعاون مع الآخرين في الحفاظ على البيئة وتعزيز الوعي البيئي في المجتمع.
الصلاة وطلب الحكمة من الله لاتخاذ قرارات تحترم الخليقة وتسهم في رفاهية الجميع.
من خلال هذه المبادئ، يمكن للإنسان أن يعيش حياة متوازنة تحترم الخليقة وتسهم في الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
يُظهر الكتاب المقدس أهمية العناية بالبيئة والمحافظة على التوازن الطبيعي من خلال عدة جوانب:
التأكيد على أن الله هو الخالق وأن الإنسان مُكلف بالعناية بالخليقة كوكيل لله على الأرض (تكوين 1:26-28).
تقديم الأرض كهبة من الله يجب استخدامها بمسؤولية وليس استغلالها بشكل يُفسد التوازن الذي وضعه الله في الطبيعة.
التعليم عن السبات الأرضي والسنة اليوبيلية، والتي تُظهر الحاجة إلى إعطاء الأرض فترة راحة وتجديد (لاويين 25).
تقديم قوانين تتعلق بالزراعة والحيوانات والموارد الطبيعية التي تُظهر الاهتمام بالحفاظ على البيئة والتوازن البيئي.
التشجيع على العيش ببساطة وتجنب الإسراف والتبذير، وهو ما يُعتبر جزءاً من العيش بتواضع أمام الله والخليقة.
تقديم مثال يسوع المسيح الذي عاش حياة بسيطة وعلم عن الاعتماد على الله وليس على الاستهلاك المفرط لموارد العالم.
من خلال هذه التعاليم، يُشجع الكتاب المقدس الإنسان على احترام الخليقة والعمل على حمايتها والمحافظة على التوازن الذي وضعه الله فيها، مما يُعزز العيش المستدام والمسؤول.
يقدم الكتاب المقدس العديد من الأمثلة والتعاليم التي تُظهر العناية بالخليقة والمحافظة على البيئة، ومنها:
قوانين السبات الأرضي، حيث كان يجب ترك الأرض تستريح كل سبع سنوات لتجديد خصوبتها والحفاظ على التوازن البيئي (خروج 23:10-11).
التعليمات الخاصة بالسنة اليوبيلية، التي كانت تُعطى كل خمسين سنة، حيث كانت الأرض تُترك بلا زراعة وتُعاد الأملاك لأصحابها الأصليين، مما يُعزز العدالة الاجتماعية والاقتصادية (لاويين 25).
التوجيهات بعدم قطع الأشجار عند محاصرة مدينة، لأن الأشجار مصدر للحياة وليست عدواً يجب محاربته (تثنية 20:19-20).
التعاليم التي تُشير إلى الرفق بالحيوانات وعدم إرهاقها، مثل الأمر بعدم تجميع الثور وهو يدرس (تثنية 25:4).
الأمثال التي تُظهر الحكمة في العناية بالأرض والحيوانات، مثل الحكمة التي تُظهرها النملة في جمع طعامها (أمثال 6:6-8).
هذه الأمثلة تُظهر كيف أن الكتاب المقدس يُعلم الإنسان أن يكون مسؤولاً وحكيماً في تعامله مع الخليقة والموارد الطبيعية، وأن يعيش بطريقة تُحافظ على البيئة للأجيال القادمة.
يمكن للإنسان أن يطبق مبادئ العيش المستدام وفقاً للكتاب المقدس من خلال الخطوات التالية:
الاعتراف بأن الأرض ومواردها هي هبات من الله ويجب استخدامها بمسؤولية وشكر (مزمور 24:1).
العمل على حماية البيئة والمحافظة على التنوع البيولوجي، مع الاهتمام بالحيوانات والنباتات والموارد الطبيعية.
تجنب الإسراف والتبذير والعيش ببساطة، مما يُقلل من الضغط على الموارد الطبيعية ويُساهم في العدالة الاجتماعية.
تشجيع ودعم الزراعة المستدامة والممارسات الصديقة للبيئة التي تحافظ على خصوبة الأرض وتُقلل من التلوث.
التعلم من الطبيعة واحترام الحياة البرية، والتعاون مع الجهود المحلية والعالمية لحماية البيئة.
الترويج لاستخدام الطاقة المتجددة والتقنيات التي تُقلل من البصمة الكربونية وتحافظ على البيئة للأجيال القادمة.
الصلاة وطلب الحكمة من الله لاتخاذ قرارات تحترم الخليقة وتُعزز العيش المستدام.
من خلال تطبيق هذه المبادئ، يمكن للإنسان أن يعيش حياة تُراعي البيئة وتُساهم في الحفاظ على الخليقة كجزء من العبادة والشكر لله.
من الآيات التي تتحدث عن مجد الله في الخليقة، يمكن استخلاص عدة رسائل مهمة:
الخليقة تعكس قوة الله وحكمته وإبداعه، وهذا يدعو الإنسان للتأمل والإعجاب والشكر لله على عظمة أعماله.
الطبيعة تُعلم الإنسان عن الله بدون كلمات، وهذا يُظهر أن الله يُمكن أن يُعرف من خلال ما خُلق (مزمور 19:1-4).
الخليقة تُظهر أن الله ليس بعيداً عن الإنسان، بل هو قريب ويُمكن رؤية آثاره في العالم المحيط (أعمال 17:27-28).
الإنسان مُكلف بالعناية بالخليقة وحمايتها كجزء من مسؤوليته أمام الله، وهذا يُعزز الاحترام والمحافظة على البيئة.
الخليقة تُعتبر مصدراً للتعليم والحكمة، حيث يُمكن للإنسان أن يتعلم من النظام والتوازن الذي وضعه الله في الطبيعة.
العناية بالخليقة هي جزء من العبادة والتعبير عن الإيمان بالله، حيث يُظهر الإنسان امتنانه لله من خلال الحفاظ على ما خلق.
هذه الرسائل تُشجع المؤمنين على العيش بطريقة تُحترم الخليقة وتُعبر عن الإيمان بالله من خلال الأفعال والمواقف اليومية.
التأمل في الخليقة يمكن أن يقود الإنسان إلى فهم أعمق لله وصفاته من خلال عدة طرق:
التأمل في النظام والتعقيد في الطبيعة يمكن أن يُظهر حكمة الله وقدرته الإبداعية، مما يُعزز الإيمان بأن الله هو المصمم الأعظم لكل ما في الكون.
رؤية الجمال والتنوع في الخليقة يمكن أن يُعبر عن جمال الله وغناه وكرمه في توفير مثل هذه البيئة الغنية للإنسان.
التأمل في الدورات الطبيعية مثل دورة الماء والفصول يُظهر النظام والاعتمادية في الخليقة، مما يُشير إلى السيادة الإلهية والعناية الدقيقة بالتفاصيل.
التفكير في كيفية توفير الخليقة لاحتياجات الإنسان يُظهر رحمة الله وعنايته بخلقه، ويُعزز الشكر والامتنان لله.
التأمل في الخليقة يمكن أن يُساعد الإنسان على الشعور بالتواضع أمام عظمة الله والاعتراف بأن الإنسان جزء من خليقة أكبر وأوسع.
التأمل في الخليقة يُمكن أن يُساعد الإنسان على الشعور بالسلام والقرب من الله، حيث يُمكن للطبيعة أن تكون مكاناً للصلاة والتأمل الروحي.
من خلال هذه الطرق، يُمكن للتأمل في الخليقة أن يُعمق الإيمان والفهم لله ويُعزز العلاقة الروحية بين الإنسان وخالقه.