يحكي يسوع عن رجل كان لديه ابنان. الابن الأصغر طلب من والده أن يعطيه نصيبه من الميراث، ثم غادر البيت ليعيش حياة طائشة في بلد بعيد. بعد أن أنفق كل ما لديه، جاء جوع شديد على تلك البلاد، وبدأ يشعر بالحاجة. اضطر للعمل كراعٍ للخنازير وكان يتمنى أن يأكل من الطعام الذي كانت الخنازير تأكله، لكن لم يعطه أحد شيئاً.
عاد الابن إلى رشده وقرر أن يعود إلى والده ويقول له: "يا أبي، أخطأت إلى السماء وأمامك، ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً. اجعلني كأحد أجرائك". عندما كان لا يزال بعيداً، رآه والده وامتلأ قلبه بالرحمة، فركض إليه واحتضنه وقبله. قال الابن ما كان قد أعده، لكن والده أمر عبيده بأن يلبسوه أفضل حلة ويضعوا خاتماً في يده وحذاء في قدميه، وأن يذبحوا العجل المسمن للاحتفال بعودته.
هذا المثل يحتوي على عدة دروس روحية مهمة:
1. رحمة الله ومحبته
يظهر المثل رحمة الله ومحبته غير المشروطة تجاه أبنائه. الله مستعد دائماً لقبولنا بغض النظر عن مدى ابتعادنا عنه أو خطايانا.
2. التوبة والعودة إلى الله
يحث المثل على التوبة والعودة إلى الله. الابن الضال عاد إلى رشده وقرر العودة إلى والده، وهذا يعكس أهمية التوبة والاعتراف بالخطأ.
3. الفرح بعودة الخاطئ
يعلمنا المثل أن هناك فرحاً كبيراً في السماء بعودة أي خاطئ إلى الله. الاحتفال بعودة الابن الضال يرمز إلى الفرح الذي يشعر به الله عندما يتوب أحد أبنائه.
كيف يرمز الأب في مثل الابن الضال إلى الله؟
في مثل الابن الضال، الأب يرمز إلى الله الآب، ويعكس صفاته الإلهية من الرحمة، والمغفرة، والمحبة غير المشروطة. إليك بعض النقاط التي توضح كيف يرمز الأب إلى الله:
1. المحبة غير المشروطة
الأب في المثل يظهر محبة غير مشروطة تجاه ابنه، حتى بعد أن أخذ الابن نصيبه من الميراث وبدده في حياة طائشة. هذه المحبة تعكس محبة الله لأبنائه، فهو يحبنا بغض النظر عن أخطائنا وابتعادنا عنه. كما يقول في رومية 5:8: "ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا".
2. الرحمة والمغفرة
عندما عاد الابن الضال إلى والده، لم يعاتبه الأب أو يعاقبه، بل استقبله بالرحمة والمغفرة. هذا يعكس رحمة الله ومغفرته تجاهنا عندما نتوب ونعود إليه. الله مستعد دائماً ليغفر خطايانا ويقبلنا كأبنائه المحبوبين. كما يقول في 1 يوحنا 1:9: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم".
3. الفرح بعودة الخاطئ
الأب في المثل يحتفل بعودة ابنه الضال ويذبح العجل المسمن ويقيم وليمة. هذا يعكس الفرح الذي يشعر به الله عندما يتوب أحد أبنائه ويعود إليه. الله يفرح بعودة كل خاطئ ويحتفل بعودته. كما يقول في لوقا 15:7: "أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة".
ما هو معنى التوبة في المسيحية؟
التوبة في المسيحية هي عملية روحية عميقة تعني العودة إلى الله والاعتراف بالخطايا وتركها. التوبة ليست مجرد شعور بالندم، بل هي تغيير جذري في القلب والعقل والسلوك. إليك بعض الجوانب المهمة للتوبة في المسيحية:
1. الاعتراف بالخطايا
الخطوة الأولى في التوبة هي الاعتراف بالخطايا أمام الله. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الله بشأن أخطائنا وعيوبنا. كما يقول في 1 يوحنا 1:9: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم".
2. الندم الحقيقي
التوبة تتطلب ندماً حقيقياً على الخطايا. يجب أن نشعر بالحزن والأسف على ما فعلناه ونرغب في التغيير. كما يقول في 2 كورنثوس 7:10: "لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة، وأما حزن العالم فينشئ موتاً".
3. تغيير السلوك
التوبة تتطلب تغييراً فعلياً في السلوك. يجب أن نترك الخطايا ونسعى للعيش بحسب مشيئة الله. كما يقول في أعمال الرسل 26:20: "بل أخبرت أولاً الذين في دمشق وفي أورشليم، ثم جميع كورة اليهودية، ثم الأمم، أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله، عاملين أعمالاً تليق بالتوبة".
4. الثقة في مغفرة الله
عندما نتوب بصدق، يمكننا أن نثق في مغفرة الله. الله وعد بأنه سيغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. كما يقول في إشعياء 1:18: "هلم نتحاجج، يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف".
كيف يمكننا تطبيق دروس مثل الابن الضال في حياتنا اليومية؟
مثل الابن الضال يحمل العديد من الدروس الروحية والأخلاقية التي يمكننا تطبيقها في حياتنا اليومية. إليك بعض الطرق التي يمكننا من خلالها تطبيق هذه الدروس:
1. التوبة والعودة إلى الله
مثل الابن الضال يعلمنا أهمية التوبة والعودة إلى الله. عندما نخطئ أو نبتعد عن الله، يجب علينا أن نعترف بخطايانا ونتوب عنها ونسعى للعودة إلى علاقة صحيحة مع الله. كما يقول في أعمال الرسل 3:19: "فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم، لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب".
2. ممارسة الرحمة والمغفرة
الأب في المثل يظهر رحمة ومغفرة عظيمة تجاه ابنه. نحن مدعوون لممارسة نفس الرحمة والمغفرة تجاه الآخرين. عندما يخطئ أحدهم بحقنا، يجب أن نكون مستعدين للمغفرة وعدم الاحتفاظ بالضغينة. كما يقول في أفسس 4:32: "وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين، متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح".
3. الاحتفال بعودة الخاطئ
نحن مدعوون أيضاً للفرح والاحتفال بعودة أي شخص يتوب ويعود إلى الله. يجب أن نشجع الآخرين على التوبة ونحتفل بعودتهم إلى الإيمان. كما يقول في لوقا 15:10: "هكذا أقول لكم، يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب".
4. التواضع والاعتراف بالخطأ
الابن الضال عاد إلى رشده واعترف بخطأه أمام والده. هذا يعلمنا أهمية التواضع والاعتراف بأخطائنا. يجب أن نكون مستعدين للاعتراف بأخطائنا والاعتذار عنها، سواء كان ذلك أمام الله أو أمام الآخرين. كما يقول في يعقوب 5:16: "اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض، لكي تشفوا. طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها".