"الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ." (كو 1: 15).
معنى "صُورَةُ اللهِ":
مصطلح "صُورَةُ اللهِ" في الكتاب المقدس يحمل معاني متعددة تتعلق بكيفية تعبير الله عن ذاته وكيفية خلق الإنسان على صورته. في سياق العهد الجديد، يُشير إلى يسوع المسيح كصورة الله غير المنظور، كما ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي (كولوسي 1:15)، حيث يُعرف يسوع بأنه "صورة الله غير المنظور".
في هذا السياق، "صُورَةُ اللهِ" تعني أن يسوع المسيح يعكس ويظهر صفات الله وجوهره بشكل كامل ومثالي. يسوع هو الإعلان النهائي والتام عن الله، ومن خلاله يمكن للإنسان أن يفهم الله ويعرفه. هذا يعني أن يسوع ليس مجرد نبي أو معلم، بل هو الله المتجسد الذي جاء ليُظهر لنا الطريق إلى الآب.
في سياق العهد القديم، خلق الله الإنسان على صورته (تكوين 1:27)، مما يعني أن الإنسان خُلق بقدرات تعكس بعض صفات الله مثل القدرة على العقل والإبداع والحكم الأخلاقي والعلاقات الشخصية. ومع ذلك، فإن الصورة الكاملة والمثالية لله تُعبر عنها في يسوع المسيح.
ما هي "صورة الله" التي يمثلها المسيح؟
"صورة الله" التي يمثلها المسيح هي تجسيد كامل ومثالي لصفات الله وجوهره. يسوع المسيح، كأقنوم الإبن، يعكس صورة الله الأب بطريقة فريدة ولا يمكن لأي مخلوق آخر أن يعبر عنها بهذا الشكل. في يسوع، نرى الحب والحكمة والعدالة والرحمة والقداسة وكل صفات الله الكاملة. يُظهر يسوع في حياته وتعاليمه ومعجزاته وتضحيته وقيامته الطبيعة الإلهية بطريقة يمكن للإنسان أن يدركها ويتفاعل معها.
كما ورد في الكتاب المقدس، يسوع هو "صورة الله غير المنظور" (كولوسي 1:15)، مما يعني أنه في يسوع، يتم الكشف عن الله الذي لا يُرى بشكل مرئي وملموس. العلاقة الأقنومية بين الإبن والآب تعني أن يسوع يشارك في نفس الجوهر الإلهي مع الآب، ولذلك فإن رؤية يسوع هي بمثابة رؤية الآب.
ما الفرق بين صورة الله في خلق الإنسان وصورة الله المتجسدة في يسوع المسيح؟
الفرق بين "صورة الله" في خلق الإنسان و"صورة الله" المتجسدة في يسوع المسيح يكمن في الدرجة والكمال الذي تُعبر به كل صورة عن الله. عندما خلق الله الإنسان، خلقه على صورته ومثاله، كما ورد في سفر التكوين (تكوين 1:27)، مما يعني أن الإنسان خُلق بقدرات تعكس صفات الله مثل العقل، الإرادة، الحرية، والقدرة على العلاقات الشخصية والحب.
مع ذلك، هذه الصورة في الإنسان ليست كاملة وتأثرت بالخطية والسقوط، مما أدى إلى تشويه الصورة التي خُلق عليها الإنسان. في المقابل، يسوع المسيح كصورة الله المتجسدة يعبر عن الكمال الإلهي دون أي تشويه أو نقصان. يسوع هو الإعلان الكامل والنهائي لله، حيث يعكس صفات الله وجوهره بشكل مثالي وغير محدود.
بينما الإنسان خُلق على صورة الله، يسوع المسيح هو صورة الله بالجوهر والكيان، وهو يقدم لنا النموذج الأمثل لكيفية العيش في علاقة صحيحة مع الله. يسوع هو الصورة الحقيقية والنهائية لله التي من خلالها نستطيع أن نعرف الله ونتقرب منه.
هل تعني "صورة الله" أن المسيح مساوٍ لله أم مشابه له؟
عبارة "صورة الله" عندما تُطبق على المسيح، تعني أنه مساوٍ لله في الجوهر وليس مجرد مشابه له. يسوع المسيح، كأقنوم الإبن، يشارك في الجوهر الإلهي نفسه مع الأقنوم الآب، وهذا يعني المساواة في الطبيعة الإلهية والخصائص الأزلية.
يسوع لا يعكس فقط صفات الله كما يمكن للمخلوقات أن تعكس بعض صفات خالقها، بل هو في وحدة جوهرية مع الله. هذه الحقيقة تُعبر عنها في الكتاب المقدس من خلال عدة آيات، بما في ذلك قول يسوع "أنا والآب واحد" (يوحنا 10:30)، وكذلك العبارة "الذي هو في حضن الآب هو أعلنه" (يوحنا 1:18).
بالتالي، عندما نتحدث عن يسوع المسيح كصورة الله، نحن نعني أنه يعبر عن الله بطريقة فريدة ومتميزة تختلف عن أي تعبير آخر، وهو يقدم لنا الوحي الكامل والنهائي عن الله. هذا لا يعني فقط التشابه، بل الهوية في الجوهر والكيان الإلهي.
معنى "غير المنظور"
عبارة "غير المنظور" تُستخدم في الكتاب المقدس للإشارة إلى الله الذي لا يُرى بالعين البشرية، وهو الذي يتجاوز العالم المادي والمحسوس. الله في الإيمان المسيحي هو روح، وبالتالي ليس محدوداً بالأشكال والحدود المادية التي يمكن للبشر رؤيتها أو تصورها.
في سياق العهد الجديد، يُستخدم هذا المصطلح للتأكيد على أن يسوع المسيح هو "صورة الله غير المنظور" (كولوسي 1:15)، مما يعني أنه في يسوع، نرى الإعلان الواضح والملموس لله الذي لا يُرى. يسوع يجعل الله المطلق والروحاني معروفاً ومفهوماً من خلال حياته وتعاليمه وأعماله.
هذه العبارة تعكس أيضاً حقيقة أن الله، في جوهره، يتجاوز قدرات الإدراك البشري وأنه لا يمكن إدراكه بالكامل إلا من خلال الإعلان الإلهي. يسوع المسيح، كالكشف الكامل عن الله، يُتيح لنا فهماً أعمق لطبيعة الله وشخصيته.
صفات الله التي لا يمكن رؤيتها
صفات الله التي لا يمكن رؤيتها تشمل الخصائص الأزلية والروحانية لطبيعة الله، والتي لا يمكن إدراكها بالحواس البشرية المحدودة. هذه الصفات تتضمن:
الأزلية: الله بلا بداية ولا نهاية.
العظمة: الله لا محدود في قوته وسلطانه ومجده.
الوجود الذاتي: الله موجود بذاته ولا يعتمد على شيء خارج عنه.
الوحدانية: الله واحد وفريد في ذاته وجوهره.
القداسة: الله مطلق في القداسة والنقاء.
العدالة: الله مطلق في عدالته ولا يظلم.
المعرفة: الله عالم بكل شيء، الماضي والحاضر والمستقبل.
الحكمة: الله حكيم بلا حدود في تدبيره وإدارته للكون.
الحب: الله محبة ومصدر كل حب حقيقي.
الرحمة: الله غني بالرحمة والغفران.
الإرادة: الله له الإرادة الحرة والمطلقة في تنفيذ مشيئته.
هذه الصفات وغيرها تتجاوز الإدراك المادي ولا يمكن تصورها بشكل كامل من خلال الخبرة البشرية. يسوع المسيح، كصورة الله غير المنظور، يُظهر لنا هذه الصفات الإلهية من خلال حياته وأعماله، مما يُتيح لنا فهماً أعمق لطبيعة الله وكيف يتعامل مع البشرية.
معنى "بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ"
عبارة "بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ" تأتي من الكتاب المقدس، وتحديدًا من رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي، حيث يوصف يسوع المسيح بهذه الصفة (كولوسي 1:15). المعنى الروحي واللاهوتي لهذه العبارة يشير إلى أن يسوع المسيح ليس مجرد جزء من الخليقة، بل هو موجود قبل كل الخليقة وهو أعلى منها.
كلمة "بِكْر" في الثقافة اليهودية والمسيحية لها معنى الأسبقية والأهمية. في هذا السياق، يسوع هو البِكْر في الأهمية والسلطان على كل الخليقة. هذا لا يعني أن يسوع خُلق كأول الخلائق، بل يعني أنه يحتل المرتبة الأولى والأعلى في الكون كله.
علاوة على ذلك، يُظهر هذا اللقب أن يسوع له الأولوية في كل شيء، وأنه من خلاله ولأجله خُلق كل شيء. يسوع هو الوسيط في عمل الخلق، وهو الذي يحمل كل الأشياء بكلمة قدرته. إنه يعكس السيادة الإلهية والمُطلقة على الكون.
الآية التي تُعرف يسوع المسيح بأنه "صورة الله غير المنظور" وكذلك "بكر كل خليقة" موجودة في رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي، وتحديدًا في الإصحاح الأول، الآية الخامسة عشرة. يقول النص: "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كولوسي 1:15). هذه الآية تؤكد على المكانة الفريدة والسامية ليسوع المسيح في الإيمان المسيحي، حيث يُعتبر الكشف الكامل والنهائي عن الله والأسبقية في الخليقة.