طبيعة إله العهد القديم
يُنظر إلى إله العهد القديم في الفكر المسيحي على أنه إله العدالة والرحمة والحب، وليس فقط إله الحروب وسفك الدماء كما يُفهم خطأً في بعض الأحيان. يُظهر العهد القديم الله الذي يتعامل مع شعبه والأمم المحيطة بطرق مختلفة، وفقًا للسياقات التاريخية والثقافية المعقدة لتلك الأزمنة. الأحداث التي تتضمن الحروب والعقوبات في العهد القديم تُعتبر جزءًا من العدالة الإلهية التي تأتي كرد فعل على الشر والظلم.
يقول اللاهوتي الشهير سي. إس. لويس: "إن الله ليس فقط إله الرحمة، بل هو أيضًا العدالة. ولا يمكن للعدالة أن تكون حقيقية إذا لم تُعاقب الشر." وبالتالي، فإن الأحداث التي تُظهر الله في دور القاضي أو المحارب تُعبر عن جانب من جوانب العدالة الإلهية التي تهدف إلى إعادة النظام والصلاح في عالم مليء بالخطيئة والفساد.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن العهد الجديد يكشف عن الله في شخص يسوع المسيح، الذي جاء ليُظهر الحب الإلهي الكامل والرحمة للبشرية. يقول الكتاب المقدس في يوحنا 3:16 عن محبة الله العظيمة التي دفعته لأن يُقدم ابنه الوحيد لخلاص العالم.
فهم العدالة الإلهية في سياق العهد القديم
لفهم العدالة الإلهية في سياق العهد القديم، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي والثقافي للأحداث المذكورة. العهد القديم يُظهر الله كملك وقاضي يُدير شؤون شعبه ويُحافظ على النظام والعدل في مواجهة الشر والظلم. العدالة الإلهية ليست مجرد عقوبة، بل هي أيضًا تصحيح للظلم وإعادة للعلاقات الصحيحة بين الله والإنسان وبين الإنسان وأخيه الإنسان.
يُعلمنا اللاهوتيون المسيحيون أن الله في العهد القديم يُظهر صبرًا طويلًا ويُعطي الفرص تلو الفرص للتوبة قبل أن يُنزل العقوبة. وعندما تأتي العقوبة، فهي غالبًا ما تكون بمثابة وسيلة لإعادة الشعب إلى الطريق الصحيح وليست غاية في حد ذاتها. يُظهر العهد القديم أيضًا أن الله يُعاقب الأمم الأخرى التي تُمارس الظلم والشر، وهذا يُعبر عن العدالة الكونية التي تتجاوز حدود شعب معين.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن العدالة في العهد القديم لا تُفهم بمعزل عن الرحمة والحب. فالله يُظهر رحمته وحبه حتى في أشد الأوقات قسوة، ويُعلن عن نفسه كإله رحيم وغفور. على سبيل المثال، يُظهر الكتاب المقدس في خروج 34:6-7 الله يُعلن عن نفسه كإله رحيم وغفور، بطيء الغضب وكثير الحسنة والحق.
بالتالي، العدالة الإلهية في العهد القديم تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة الإلهية التي تشمل العدل والرحمة والحب، وهي تُظهر كيف يتعامل الله مع الخطيئة والشر بطريقة تُعيد النظام والصلاح للخليقة.
دور يسوع المسيح في الكشف عن طبيعة الله الحقيقية
يسوع المسيح يُعتبر الكشف الأعظم عن طبيعة الله في المسيحية. من خلال حياته، تعاليمه، موته، وقيامته، يُظهر يسوع الحب الإلهي والرحمة بطريقة فريدة وملموسة. يُعلمنا العهد الجديد أن يسوع هو "صورة الله غير المرئي" (كولوسي 1:15) وأنه "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كولوسي 2:9).
يُظهر يسوع في حياته الأرضية الله الذي يُحب الخطاة ويسعى لخلاصهم. تعاليمه تُركز على محبة الله والغفران والرحمة، وهو يُعلم بالمثل الأعلى للحب الذي يضحي بنفسه من أجل الآخرين. موت يسوع على الصليب يُعتبر الذروة في تجلي الحب الإلهي، حيث قدم نفسه فداءً للبشرية، وقيامته تُعلن عن النصر على الخطيئة والموت.
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر يسوع الله الذي يُعلم بالمثال وليس فقط بالكلمات. فعالياته ومعجزاته تُظهر السلطان الإلهي والرحمة تجاه المحتاجين والمرضى والمُهمشين. يُظهر يسوع أيضًا الله الذي يُعلي من شأن الضعفاء ويُعطي الأمل لليائسين.
يُعلمنا يسوع أن الله ليس فقط إله العدالة، بل هو أيضًا إله الحب والرحمة. وهذا الكشف عن طبيعة الله يُعتبر مكملاً لما نجده في العهد القديم، مُقدمًا لنا صورة كاملة ومتوازنة عن الله.
توافق مفهوم الحب والرحمة مع الأحداث التي تُظهر الله كقاضي في العهد القديم
في المسيحية، يُنظر إلى الحب والرحمة كجزء لا يتجزأ من طبيعة الله، حتى في الأحداث التي تُظهره كقاضي في العهد القديم. الله، كما يُعلمنا العهد القديم، لا يُسرع إلى الغضب ولا يُعاقب بلا سبب، بل يُعطي فرصًا عديدة للتوبة والرجوع إليه. العقوبات التي نراها في العهد القديم غالبًا ما تكون آخر وسيلة يستخدمها الله بعد طول صبر وتحمل للشر والعصيان.
الرحمة الإلهية تظهر أيضًا في كيفية تعامل الله مع الأفراد والأمم. حتى في أوقات العقوبة، يُظهر الله رحمته بإعطاء الوعود بالتجديد والاستعادة. على سبيل المثال، النبوءات التي تُعلن عن الرجوع من السبي وإعادة بناء الهيكل تُظهر أن الله لا يتخلى عن شعبه ولديه خطة لمستقبلهم.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن الحب الإلهي لا يعني التساهل مع الشر. العدالة والحب يمكن أن يتعايشا معًا، حيث يُظهر الله حبه من خلال السعي لإصلاح ما أفسده الشر وإعادة الخليقة إلى النظام الذي يريده. الله يُحب الخليقة بما فيها الإنسان، ولذلك يُعمل على تحقيق العدالة التي تُعيد السلام والانسجام.
في النهاية، الحب والرحمة الإلهية لا يُنظر إليهما كمعارضين للعدالة، بل كمكملين لها. الله في العهد القديم يُظهر الحب من خلال العدالة، والعدالة من خلال الحب، وكلاهما يعملان معًا لتحقيق الخير الأعظم للخليقة.