"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟" (يو 14: 9).
من هو "فيلبس" الذي خاطبه يسوع؟
فيلبس الرسول في الكتاب المقدس
فيلبس هو أحد الاثني عشر تلميذًا الذين اختارهم يسوع المسيح ليكونوا رسله. يُظهر الكتاب المقدس فيلبس كشخص يسعى لفهم تعاليم يسوع ويشاركها مع الآخرين. في الإشارة التي ذكرتها من يوحنا 14: 9، يُظهر يسوع لفيلبس وللتلاميذ الآخرين العلاقة الوثيقة بينه وبين الآب، موضحًا أن رؤية يسوع هي رؤية للآب السماوي نفسه.
السياق التاريخي للآية في إنجيل يوحنا
الآية المذكورة من يوحنا 14: 9 تأتي ضمن حديث يسوع مع تلاميذه في العشاء الأخير، وهو الوقت الذي قضاه معهم قبل أن يُسلم ليُصلب. يسوع كان يُعد تلاميذه لرحيله ويعلمهم عن طبيعة علاقته بالآب وعن الروح القدس الذي سيرسله لهم. في هذا السياق، يوضح يسوع لتلاميذه أنه في الاتحاد الكامل مع الآب، وأن رؤيته هي بمثابة رؤية للآب نفسه، مشيرًا إلى الوحدة العميقة بين الأقانيم الإلهية في الثالوث المقدس.
العشاء الأخير في المسيحية
العشاء الأخير هو الوجبة التي تناولها يسوع المسيح مع تلاميذه قبل أن يُقبض عليه ويُصلب. هذا الحدث موثق في الأناجيل الأربعة في الكتاب المقدس. خلال هذا العشاء، قام يسوع بتأسيس سر الإفخارستيا (القربان المقدس)، حيث كسر الخبز وقدم الكأس قائلاً إنهما جسده ودمه اللذان سيُقدمان من أجل خلاص البشرية. هذا الحدث يعتبر أساسيًا في المعتقد المسيحي لأنه يمثل تذكاراً لتضحية يسوع وموته وقيامته، وهو أيضاً مركز للعبادة في الطقوس المسيحية.
السياق الكتابي لإنجيل يوحنا 14:9
قبل الآية المذكورة في يوحنا 14: 9، يسوع يقدم تعاليم هامة لتلاميذه. يبدأ الفصل الرابع عشر من إنجيل يوحنا بتشجيع يسوع لتلاميذه بعدم القلق أو الاضطراب في قلوبهم. يؤكد لهم أنه ذاهب ليعد لهم مكانًا في بيت الآب، وأنه سيعود ليأخذهم إلى نفسه، حتى يكونوا حيث هو. يتحدث أيضًا عن الطريق إلى الآب، ويعلن أنه "الطريق والحق والحياة" وأنه لا يأتي أحد إلى الآب إلا به.
يُظهر هذا السياق أن يسوع كان يُعد تلاميذه لفترة سيكون فيها غير موجود بدنيًا معهم، ويوضح لهم كيفية الاستمرار في الإيمان والثقة في وعوده. كما يُعلمهم عن العلاقة الحميمة بينه وبين الآب، ويؤكد على أهمية الإيمان به كوسيلة لمعرفة الآب والاتحاد معه.
معنى قول يسوع "أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ"
عندما قال يسوع "أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ"، كان يشير إلى الفترة المحدودة التي سيكون فيها مع تلاميذه جسديًا قبل صعوده إلى السماء. كان يُعد تلاميذه للوقت الذي سيكون فيه غائبًا عنهم بدنيًا، لكنه أيضًا يُطمئنهم بأنه سيرسل الروح القدس ليكون معهم ويعزيهم ويقودهم إلى كل الحق (كما ورد في يوحنا 14:16-17).
هذا القول يُبرز أيضًا الأهمية الروحية للوقت الذي قضاه يسوع مع تلاميذه، حيث كان يعلمهم ويُعدّهم للمهمة التي سيقومون بها بعد رحيله. يُشجعهم يسوع على استغلال الوقت الذي ما زال متاحًا لهم ليتعلموا منه ويفهموا رسالته بشكل أعمق.
اهتمام يسوع بتلاميذه
يسوع يُظهر اهتمامه بتلاميذه من خلال تأكيده على وجوده معهم لفترة معينة من الزمن، وهي فترة تعليمهم وتجهيزهم للخدمة بعد صعوده. هذه الكلمات تُظهر حرص يسوع على أن يستفيد التلاميذ قدر الإمكان من وقتهم معه، ليتعلموا وينموا في فهمهم للمملكة السماوية ورسالته الخلاصية. كما أنها تُظهر رعايته وحرصه على تقوية إيمانهم وتهيئتهم للأوقات التي سيواجهون فيها تحديات بعد رحيله.
علاوة على ذلك، عندما يُشير يسوع إلى أنه "معهم"، فهو يُعلمهم أنهم لن يكونوا وحدهم حتى بعد صعوده، فوجوده معهم لا يقتصر على الحضور الجسدي فقط، بل يتعداه إلى الحضور الروحي من خلال الروح القدس الذي وعد بإرساله. هذا يُعطي التلاميذ الثقة والقوة لمواصلة المسيرة في الإيمان والشهادة للإنجيل.