المسيحية وتأكيد الألوهية
في المسيحية، يُفهم إعلان الألوهية بطريقة أعمق من مجرد القول المباشر "أنا الله فاعبدوني". يُظهر يسوع المسيح في الكتاب المقدس ألوهيته من خلال أقواله وأفعاله والشهادات التي تحدثت عنه. على سبيل المثال، في يوحنا 8:58، يقول يسوع: "الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم، أنا كائن". هذا القول يشير إلى الوجود الأزلي ليسوع، وهو صفة إلهية.
كذلك، يقدم الكتاب المقدس شهادات عن ألوهية المسيح،
مثل في يوحنا 1:1-14 حيث يُعرف يسوع بأنه "الكلمة" وأن "الكلمة كان الله".
وفي فيلبي 2:5-11، نرى أن يسوع لم يحتفظ بمكانته الإلهية لنفسه بل تواضع وأخذ صورة عبد، مما يشير إلى عملية التجسد.
بالإضافة إلى ذلك، يسوع يقبل العبادة التي يُعطيها الناس لله وحده، كما في حالة الرجل الأعمى الذي شُفي وعبد يسوع في يوحنا 9:38، وهذا يُعتبر دليلاً على قبوله للهوته.
ألوهية يسوع في يوحنا 1:1-14
في بداية إنجيل يوحنا، يُقدم لنا الانجيل تصريحاً قوياً عن ألوهية يسوع المسيح. يبدأ النص بـ "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". هذه الآيات تُظهر أن يسوع (الكلمة) ليس فقط كائناً مع الله منذ البدء، بل هو في الجوهر الإلهي نفسه.
يُواصل النص ليُظهر أن "الكلمة" هو خالق كل شيء، وأن فيه كانت الحياة التي هي نور الناس. هذه الصفات هي صفات إلهية بحتة، لأن الخلق والحياة والنور هي من مظاهر الله في العهد القديم.
ويُختتم القسم بالإشارة إلى التجسد حيث يقول "والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا". هذا يعني أن يسوع، الذي هو الله، أخذ صورة الإنسان وعاش بين البشر، مُظهراً مجده الذي هو مجد الوحيد من الآب، مليء بالنعمة والحق.
إذًا، يوحنا 1:1-14 يُقدم لنا تأكيدًا واضحًا على ألوهية يسوع المسيح، مُظهرًا أنه الله الذي تجسد وعاش بيننا.
معنى قول يسوع "أنا كائن" في يوحنا 8:58
عندما قال يسوع "أنا كائن" في يوحنا 8:58، كان يُشير إلى وجوده الأزلي الذي يتخطى الزمان. اللغة التي استخدمها يسوع تُعيد إلى الذهن اسم الله الذي أُعلن لموسى في العهد القديم، "أهيه الذي أهيه" (أنا الذي أنا)، كما هو مذكور في خروج 3:14. هذا الإعلان يُظهر أن الله موجود بذاته ولا يعتمد على أي شيء آخر لوجوده، وهو أمر ينطبق على الإله الحقيقي وحده.
في السياق اليهودي، كان هذا القول يُعتبر تصريحًا جريئًا ومباشرًا بالألوهية، ولذلك استجاب اليهود الذين سمعوا يسوع بمحاولة رجمه لأنهم اعتبروه يجدف، مُدركين أنه يُعلن نفسه بأنه مساوٍ لله.
إذًا، من خلال هذا القول، يُعلن يسوع عن هويته الإلهية ويُثبت أنه ليس مجرد نبي أو معلم صالح، بل هو الله الظاهر في الجسد، الذي له الوجود الأزلي والسلطان الإلهي.
قبول يسوع للعبادة كدليل على ألوهيته
في اليهودية، العبادة مخصصة فقط لله، وهذا ما يُعلمه الكتاب المقدس بوضوح. لذلك، عندما يقبل يسوع العبادة من الناس، فإنه يُظهر بشكل غير مباشر أنه يستحق هذه العبادة كإله. مثال على ذلك هو الحادثة التي وقعت بعد شفاء الرجل الأعمى، حيث عبد الرجل يسوع، كما هو مذكور في يوحنا 9:38. يسوع لم يُعارض هذه العبادة أو يُصحح الرجل، مما يدل على أنه يقبل العبادة كإله.
بالإضافة إلى ذلك، في متى 28:9، عندما ظهر يسوع لتلاميذه بعد قيامته، سجدوا له وعبدوه. هذا الفعل من التلاميذ، الذين كانوا يهودًا ملتزمين بشريعة التوراة، يُظهر أنهم اعترفوا بألوهية يسوع وأنه يستحق العبادة التي يُعطى لله وحده.
هذه الأمثلة تُظهر أن يسوع لم يكن مجرد نبي أو معلم بشري، بل كان يُعتبر الله الظاهر في الجسد، وهذا ما يُؤكده العقيدة المسيحية عن الثالوث، حيث يُعتبر الأقنوم الإبن (الكلمة) الحامل للجوهر الإلهي الذي اتحد بالطبيعة البشرية مُمثلةً في يسوع المسيح.