"وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ." (1 تي 3: 16).
التجسد الإلهي في الإيمان المسيحي
الآية المذكورة من ١ تيموثاوس ٣: ١٦ تتحدث عن أحد أعظم أسرار الإيمان المسيحي وهو سر التجسد الإلهي. يُعلّم الإيمان المسيحي أن الله تجسد في شخص يسوع المسيح، الذي ظهر في الجسد بالطبيعة البشرية وتبرر في الروح، أي أنه أُظهر بره وقداسته من خلال حياته وأعماله الروحية. تراءى للملائكة، وهذا يشير إلى شهادة السماء له. كُرز به بين الأمم، مما يعني أن البشارة بالإنجيل انتشرت بين الشعوب المختلفة، وأومن به في العالم، إذ انتشر الإيمان بيسوع المسيح في كل مكان. وأخيرًا، رُفع في المجد، وهذا يشير إلى صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الأب.
فهم التجسد الإلهي في الإيمان المسيحي
مفهوم التجسد الإلهي في الإيمان المسيحي هو أن الأقنوم الإبن (الكلمة) الحامل للجوهر الإلهي اتحد بالطبيعة البشرية مُمثلةً في يسوع المسيح. هذا السر العظيم لا يمكن استنتاجه بالعقل ولا يمكن الوصول إليه بالفلسفة لكنه يحتاج إلى إعلان إلهي. كما يعلم الباحث والكاتب والمفكر داني سمارنة: الأقنوم (كلمة سريانية الأصل مترجمة من الكلمة اليونية هيبوستاسيس، وهي لا تعني اقنوم بالمعنى الحالي، لأن الأقانيم منفصلين أما الأقانيم فهم مميزين دون انقسام وانفصال وامتزاج واندماج).
التجسد يعني أن الأقنوم الإبن لم يفقد لاهوته بل اتحد بالناسوت بطريقة فريدة وغير مفهومة تمامًا للعقل البشري. يعلم الباحث داني سمارنه أن التجسد هو اتحادٌ أقنوميٌ (لللاهوت والناسوت) دون انقسام وانفصال وامتزاج واندماج ودون تغيير للأبد. يسوع المسيح هو شخص واحد ذو طبيعتين: لاهوت كامل وناسوت كامل، متحدين بشكل لا يتجزأ في شخص واحد.
هذا الحدث الفريد في التاريخ يُعبر عن محبة الله العظيمة للبشرية، حيث أنه من خلال التجسد، قدم الله نفسه فدية للخطية وفتح الطريق للخلاص والاتحاد مع الله. وهذا ما يُعتبر جوهر الإنجيل والبشارة الطيبة التي يعظ بها المسيحيون.
الأهمية الروحية واللاهوتية لصعود يسوع المسيح إلى السماء
صعود يسوع المسيح إلى السماء هو حدث له أهمية بالغة في الإيمان المسيحي. يُعتبر الصعود تتويجًا لعمل المسيح الخلاصي على الأرض وإعلانًا لمجده السماوي. من الناحية اللاهوتية، يؤكد الصعود على أن يسوع المسيح، بعد أن أكمل عمل الفداء، قد جلس عن يمين الأب ليحكم كملك ورب.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الصعود إلى أن يسوع المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، وأنه يقوم الآن بالشفاعة لأجل المؤمنين (عبرانيين 7:25). هذا يعطي الأمل والثقة للمسيحيين بأن لهم محامي في السماء يمثلهم أمام الله الآب.
روحيًا، الصعود يعزز الإيمان بأن المسيحيين مدعوون للعيش بطريقة تعكس ملكوت السماوات هنا على الأرض، مع العلم أن مصيرهم الأبدي مع المسيح في السماء. كما أنه يُعد بمثابة تأكيد على وعد المسيح بإرسال الروح القدس، الذي هو معين ومرشد للكنيسة حتى عودته.
الصعود يُعلم المسيحيين أيضًا أن مهمة الشهادة للإنجيل وتلمذة الأمم هي مسؤولية مستمرة حتى يوم عودة المسيح، حيث يقول في أعمال الرسل 1:8 "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا".
دلالة عبارة "تبرر في الروح" في الإيمان المسيحي
عبارة "تبرر في الروح" المذكورة في ١ تيموثاوس ٣: ١٦ تحمل دلالة عميقة في الإيمان المسيحي. التبرير هو عمل الله الذي يعلن فيه الإنسان الخاطئ بريئًا وعادلًا بناءً على عمل المسيح الفدائي على الصليب. الروح في هذا السياق يشير إلى الروح القدس، الذي يعمل في حياة الإنسان ليُظهر بر المسيح فيه.
من الناحية اللاهوتية، التبرير في الروح يعني أن يسوع المسيح، عبر قيامته من الأموات وعمل الروح القدس، قد أُظهر كالبار أمام الله والبشر. هذا يؤكد على الطبيعة الإلهية ليسوع وعلى صحة وقوة عمله الخلاصي.
روحيًا، يعيش المؤمنون في ضوء هذا التبرير، متمتعين بالسلام مع الله ومتحررين من إدانة الخطية (رومية 8:1). التبرير لا يعتمد على أعمال الإنسان الصالحة، بل هو هبة نعمة من الله يتم قبولها بالإيمان بيسوع المسيح.
هذه العبارة تعكس أيضًا الحقيقة الكتابية بأن يسوع المسيح قد عاش حياة بلا خطية، وبالتالي كان الذبيحة الكاملة والنهائية لخطايا البشرية. من خلال الروح القدس، يعمل الله ليجعل المؤمنين يعيشون حياة تعكس بر المسيح وقداسته.