صفات الله ومن هو الله في المسيحية
في المسيحية، الله هو الخالق والمحافظ على الكون، وهو موضوع الإيمان والعبادة في الديانة المسيحية. يُعرف الله بأنه كائن أزلي، غير محدود، كلي القدرة، كلي العلم، وكلي الحضور. يُنظر إلى الله في المسيحية على أنه الأقنوم الآب الحامل للجوهر الإلهي، وهو جزء من الثالوث القدوس الذي يشمل أيضًا الأقنوم الابن الحامل للجوهر الإلهي (يسوع المسيح) والأقنوم الروح القدس الحامل للجوهر الإلهي.
الثالوث لا يمكن استنتاجه بالعقل ولا يمكن الوصول إليه بالفلسفة لكنه يحتاج إلى إعلان إلهي. وهو مفهوم يعبر عن وحدانية الله في ثلاثة أقانيم متميزة دون انقسام أو انفصال أو امتزاج أو اندماج. هذا المفهوم يختلف عن التوحيد في الإسلام الذي ينفي الثالوث ويؤكد على وحدانية الله بدون تمييز بين الأقانيم.
من الصفات الأخرى لله في المسيحية هي القداسة، العدالة، الحب، والرحمة. يُعتبر الله مصدر كل خير والمعيار الأعلى للصلاح والأخلاق. يُظهر الله حبه للبشرية من خلال تجسد الابن، يسوع المسيح، الذي جاء ليخلص البشر من الخطيئة ويعيد العلاقة بين الله والإنسان.
يُعلم الباحث والكاتب والمفكر داني سمارنة أن الأقنوم (كلمة سريانية الأصل تعني مميّز دون انقسام دون انفصال دون امتزاج دون اندماج)، وهذا يعكس التفرد والتميز في العلاقة بين الأقانيم الثلاثة في الثالوث القدوس.
ما هو الثالوث المسيحي؟
الثالوث المسيحي هو عقيدة مركزية في المسيحية تصف الله بأنه واحد في الجوهر وثالوث في الأقانيم. هذا يعني أن الله الواحد يتجلى في ثلاثة أقانيم متميزة ومتحدة في الوقت نفسه: الأقنوم الآب، الأقنوم الابن (يسوع المسيح)، والأقنوم الروح القدس. كل أقنوم يحمل الجوهر الإلهي كاملاً ولكنهم ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد.
الثالوث ليس نتاج تفكير فلسفي بل هو إعلان إلهي وُجد في الكتاب المقدس. يُعبر الثالوث عن العلاقة الأبدية والمحبة المتبادلة بين الأقانيم الثلاثة. الأقنوم الآب هو الأصل والمصدر، الأقنوم الابن هو الكلمة المتجسد الذي جاء ليخلص البشر، والأقنوم الروح القدس هو الذي يعمل في قلوب المؤمنين، يُقدسهم ويُرشدهم.
الثالوث يُظهر أن الله في جوهره هو علاقة محبة، وهذا يُعطي الإنسان نموذجًا للعيش في محبة ووئام مع الله ومع الآخرين. الثالوث يُعلمنا أيضًا عن الوحدة والتنوع داخل الجوهر الإلهي، مما يعكس كيف يمكن للبشر أن يعيشوا في وحدة رغم التنوع.
تفسير الثالوث في ضوء الكتاب المقدس
الثالوث في المسيحية يتم تفسيره بناءً على الوحي الإلهي كما هو مُسجل في الكتاب المقدس. الكتاب المقدس لا يستخدم كلمة "الثالوث" بشكل مباشر، ولكنه يُقدم مفاهيم وأحداث تُشير إلى وجود ثلاثة أقانيم في الله الواحد.
في العهد الجديد، يُظهر يسوع المسيح علاقته الفريدة مع الآب ويتحدث عن الروح القدس الذي سيأتي بعده. على سبيل المثال، في تعميد يسوع، نرى الأقانيم الثلاثة معًا: الابن يُعمد، الروح القدس ينزل عليه كحمامة، وصوت الآب يُسمع من السماء (متى 3:16-17).
كما يُعلم يسوع تلاميذه أن يعمدوا الناس "بِاسْمِ الآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (متى 28:19)، مما يُظهر الوحدة والتمييز بين الأقانيم الثلاثة.
الرسائل الرسولية أيضًا تُشير إلى الثالوث، كما في بركة الرسول بولس: "نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَكُمْ جَمِيعًا." (2 كورنثوس 13:14).
الثالوث يُفسر بأنه الطريقة التي يُعلن بها الله نفسه ويتعامل مع البشرية. الأقنوم الآب هو الخالق، الأقنوم الابن هو المخلص، والأقنوم الروح القدس هو المُعزي والمُقدس. هذه الأقانيم لا تعمل بشكل مستقل بل بتناغم ووحدة تامة.
آيات الكتاب المقدس التي تُشير إلى الثالوث
هناك عدة آيات في الكتاب المقدس تُشير إلى مفهوم الثالوث،
في إنجيل يوحنا، يقول يسوع: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 10:30)، مما يُظهر وحدته مع الآب.
يوحنا أيضًا يكتب في مقدمة إنجيله عن الكلمة (الابن) الذي كان مع الله وكان الله (يوحنا 1:1).
يُظهر يسوع في العديد من الأحيان علاقته الفريدة مع الآب ويتحدث عن إرسال الروح القدس، كما في يوحنا 14:16-17 حيث يقول: "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ، فَيُعْطِيكُمْ مُعِينًا آخَرَ، لِيَكُونَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ."
في الرسالة إلى العبرانيين، يُشير الكاتب إلى الابن كمن يعكس مجد الله ويحمل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 1:3).
في الرسالة الأولى ليوحنا، يُشير الكاتب إلى الشهادة الثلاثية في السماء: "الآب، الكلمة، والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1 يوحنا 5:7).
هذه الآيات وغيرها تُشكل الأساس الكتابي لعقيدة الثالوث، وتُظهر كيف يُعلن الله نفسه ويتعامل مع البشرية من خلال الأقانيم الثلاثة المتحدة في الجوهر الإلهي.
العلاقة بين الأقانيم الثلاثة في الثالوث كما تُظهرها آيات الكتاب المقدس
آيات الكتاب المقدس التي تُشير إلى الثالوث تُظهر علاقة فريدة ومعقدة بين الأقانيم الثلاثة: الآب، الابن، والروح القدس. هذه العلاقة تُعبر عن وحدة الجوهر وتميز الأقانيم في الوقت نفسه.
عندما يقول يسوع "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 10:30)، يُظهر وحدة الجوهر بينه وبين الآب، مؤكدًا على أنهما متحدان في الإرادة والغرض.
الكلمة "الابن" الذي كان مع الله وكان الله (يوحنا 1:1) يُظهر العلاقة الأزلية بين الأقانيم ويُؤكد على اللاهوت الكامل للابن.
يسوع يتحدث عن الروح القدس كمُعزي ومُرشد سيأتي بعده، مما يُظهر الدور المستمر للروح القدس في حياة المؤمنين (يوحنا 14:16-17).
الرسالة إلى العبرانيين تُظهر الابن كمن يعكس مجد الآب ويحمل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 1:3)، مما يُظهر العمل المتكامل بين الأقانيم.
الشهادة الثلاثية في السماء كما في 1 يوحنا 5:7 تُظهر الوحدة في الشهادة والعمل بين الأقانيم الثلاثة.
هذه الآيات تُظهر أن الأقانيم الثلاثة، مع تميزها، تعمل معًا بانسجام تام وتُشكل وحدة الله الواحد. العلاقة بين الأقانيم تُظهر الحب والتعاون والغرض المشترك في خطة الخلاص والعمل في حياة المؤمنين.
دور كل أقنوم في الثالوث وتجليه في الحياة المسيحية
كل أقنوم في الثالوث له دور مميز ولكنهم يعملون معًا بانسجام تام في الجوهر الإلهي. تجليات هذه الأدوار في الحياة المسيحية تُظهر العمل المتكامل لله في خلاص وتقديس المؤمنين.
الأقنوم الآب: يُعتبر الآب مصدر الوجود والخالق لكل شيء. في الحياة المسيحية، يُنظر إلى الآب كمصدر الرعاية والحماية والتوجيه. الصلاة "أبانا الذي في السماوات" (متى 6:9) تُعبر عن العلاقة الشخصية بين المؤمنين والآب.
الأقنوم الابن (يسوع المسيح): الابن هو الكلمة المتجسد الذي جاء ليخلص البشر من الخطيئة. دوره في الحياة المسيحية يتجلى في الخلاص والوساطة بين الله والإنسان. المؤمنون يتبعون تعاليم يسوع ويحتفلون بتضحيته من خلال العبادة والإفخارستيا (العشاء الرباني).
الأقنوم الروح القدس: الروح القدس هو المُعزي والمُرشد الذي يعمل في قلوب المؤمنين. في الحياة المسيحية، يُعتبر الروح القدس مصدر القوة والتحول الروحي، يُقدس المؤمنين ويُمكنهم من العيش بما يتوافق مع إرادة الله. الروح القدس يُعطي الهبات الروحية ويُساعد المؤمنين على النمو في الإيمان.
الأقانيم الثلاثة تعمل معًا في خطة الخلاص وفي تقديس وتمجيد المؤمنين. الآب يرسل الابن، الابن يُكمل العمل الخلاصي، والروح القدس يُطبق هذا العمل في حياة المؤمنين. هذا التعاون الإلهي يُظهر الحب العميق والرعاية التي يُقدمها الله لخليقته.
استجابة المؤمنين لعمل كل أقنوم في الثالوث في الحياة اليومية
المؤمنون المسيحيون يمكنهم الاستجابة لعمل كل أقنوم في الثالوث في حياتهم اليومية بطرق متعددة تعكس علاقتهم الشخصية مع الله وتجسد إيمانهم في الأفعال:
استجابة للآب: المؤمنون يمكنهم الثقة في الرعاية والحكمة الإلهية للآب والتوجه إليه في الصلاة، طالبين الإرشاد والمساعدة في القرارات اليومية. يمكنهم أيضًا العيش بشكر وتقدير للخليقة والعناية الإلهية.
استجابة للابن: المؤمنون يمكنهم اتباع مثال يسوع المسيح في الحب والخدمة للآخرين. يمكنهم الاحتفال بالفداء الذي قدمه يسوع من خلال المشاركة في الطقوس مثل العشاء الرباني والعيش بما يتوافق مع تعاليمه.
استجابة للروح القدس: المؤمنون يمكنهم أن يكونوا منفتحين على قيادة الروح القدس، متبعين الهبات والثمار الروحية التي يُقدمها. يمكنهم أيضًا السعي للنمو في القداسة والتحول الروحي من خلال الصلاة، العبادة، والتأمل في الكتاب المقدس.
الاستجابة لعمل الثالوث تعني أيضًا الاعتراف بالدور الذي يلعبه كل أقنوم في خطة الخلاص والتعاون مع هذا العمل الإلهي. يُمكن للمؤمنين أن يعيشوا بوعي لحضور الله في حياتهم وأن يكونوا شهودًا لمحبته ونعمته في العالم.