"وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ. هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ»." (يو 8: 40-41).
يقدم الكتاب المقدس في إنجيل يوحنا العديد من الحوارات المهمة التي تتناول هوية يسوع المسيح وعلاقته بالله الآب. في هذه الآيات، يتحدث يسوع مع اليهود الذين يشككون في رسالته ويعارضونه. يسوع يؤكد لهم أنه يتكلم بالحق الذي تلقاه من الله، ويشير إلى أن إبراهيم لم يسعَ إلى قتله، وهو ما يفعلونه هم. اليهود يردون بالقول إن لهم أبًا واحدًا وهو الله، مما يعكس تمسكهم بالانتماء الروحي والأخلاقي لله كأبناء له، وفقًا لتعاليم الديانة اليهودية.
هذه الآيات تعكس التوتر بين يسوع وبعض اليهود الذين لم يقبلوا رسالته وشهادته عن العلاقة الخاصة بينه وبين الله الآب. يسوع هنا يشير إلى أن أفعالهم - محاولة قتله - لا تتوافق مع ما كان إبراهيم، الذي يعتبرونه أبًا لهم، سيقوم به. هذا يشير إلى الفرق بين الانتماء الظاهري لله وبين العمل الحقيقي بمشيئته.
الحق الذي كان يسوع يتكلم به في هذا السياق هو الإعلان عن هويته كابن الله وعن العلاقة الفريدة التي تربطه بالله الآب. كان يسوع يكشف عن الحقائق الإلهية التي تلقاها مباشرة من الآب، والتي كانت تتجاوز فهم الناس في ذلك الزمان. كما كان يسوع يدعو الناس إلى التوبة والإيمان به كالمسيا الموعود والوسيط بين الله والبشر. الحق الذي كان يعلنه يسوع يتضمن أيضًا تعاليمه عن ملكوت الله والحياة الأبدية الموعودة للذين يؤمنون به.
العلاقة بين يسوع وإبراهيم يمكن فهمها من خلال هذه الآيات على مستويين:
الأول هو التاريخي والنسبي، حيث يعتبر إبراهيم الأب الروحي لليهود ومن ضمنهم يسوع الذي وُلد يهودياً من نسل إبراهيم حسب الجسد.
الثاني هو الروحي واللاهوتي، حيث يشير يسوع إلى أن الأعمال التي يقوم بها هي تماماً عكس ما كان إبراهيم سيقوم به. إبراهيم كان يبحث عن مدينة لها أساساتها التي أسسها الله (عبرانيين 11:10)، وكان يتطلع إلى الوعود الإلهية التي تحققت في يسوع المسيح.
يسوع هنا يشير إلى أنه الوسيط الأعظم لهذه الوعود وأنه هو "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يوحنا 8:58)، مما يشير إلى أزليته وألوهيته.
عندما يقول يسوع "أنتم تعملون أعمال أبيكم"، فهو يشير إلى الفرق بين الادعاء بالانتماء إلى الله وبين الأعمال الفعلية التي تعكس هذا الانتماء. في هذا السياق، يسوع يواجه اليهود الذين يدعون أن الله هو أبوهم، ولكن أعمالهم - وهي محاولة قتله - تتناقض مع مشيئة الله. يسوع يلمح إلى أن أعمالهم تعكس اتباعهم لأب آخر، وهو إشارة إلى الشيطان، الذي وصفه يسوع في الآيات اللاحقة بأنه "أبو الكذب" (يوحنا 8:44). بالتالي، يشير يسوع إلى أن الانتماء الحقيقي لله يتجلى في الأعمال التي تتوافق مع إرادته وتعاليمه، وليس فقط في الادعاءات اللفظية.